“الوضع كارثي”… شهادة ممرضة عملت في المستشفى الأوروبي بغزة
بعد أن قضت أسبوعين كاملين في المستشفى الأوروبي بخان يونس جنوب قطاع غزة، عادت إيمان معرفي التي عملت كممرضة متطوعة لصالح المنظمة غير الحكومية “فلسطين الطب” وعقلها مكتظ بصور أليمة لمصابين بجروح خطيرة دون أن تتمكن الطواقم الطبية من تقديم العلاج الكافي لهم، وذلك لأسباب عديدة بينها نقص المعدات. ووصفت الأوضاع في المستشفى بـ”الكارثية” معبرة عن خشيتها من أن تتدهور أكثر.
نشرت في:
8 دقائق
قتل 27840 فلسطينيا حسب ما صرحت في 8 فبراير/شباط وزارة الصحة في غزة منذ بدء الهجمات الإسرائيلية في 7 أكتوبر/تشرين الأول. وتجد منظمات الإغاثة الدولية صعوبات كبيرة للاستجابة لحاجيات السكان الطبية والغذائية وغيرها.
وتعاني المستشفيات والمرافق الصحية من نقص في المعدات بينها انقطاع الكهرباء وعراقيل أخرى. في حوار مع فرانس 24 تنقل الممرضة إيمان معرفي المنخرطة في المنظمة غير الحكومية “فلسطين الطب”، عند عودتها إلى فرنسا، شهادتها حول الوضع بعد أن عملت أسبوعين كمتطوعة في المستشفى الأوروبي الواقع قرب خان يونس ويعيش فيه “أكثر من 30 ألف شخص” حسب قولها، إذ تحول بحكم الحرب إلى “مكان للحياة واللعب للأطفال”.
فرانس24: إيمان معرفي، لقد قضيت أسبوعين كاملين في المستشفى الأوروبي بخان يونس. كيف هو الوضع هناك؟
في الحقيقة، لا أجد الكلمات المناسبة لوصف الوضع القائم في المستشفى الأوروبي. بكل بساطة يمكن أن أقول بأنه كارثي. الغزاويون فروا من منازلهم خوفا من القصف ولجأوا إلى المستشفى. أكثر من 30 ألف شخص جاؤوا إلى المستشفى الذي تحول إلى مكان للعيش وللعب بالنسبة للأطفال. وهذا وضع غير مسبوق. فمثلا شاركت عدة مرات في عمليات إنعاش المصابين بجروح خطيرة بينما كان الأطفال يلعبون بجانبي.
أكثر من ذلك، هناك (تقصد الأطفال الصغار) من أخذ القفازات الطبية ليصنع منها بالونات بلاستيكية للعب بها ورميها في السماء لكي تتطاير. الوضع كارثي والأطفال لا يملكون أي شيء لقضاء أوقاتهم. في 22 يناير/كانون الثاني قيل لنا إن عدد الناس الذين يتواجدون في المستشفى بلغ 25 ألف، لكن هذا العدد ارتفع فيما بعد إلى 30 ألف شخص.
هل يقدم المستشفى الأوروبي العلاج والخدمات الطبية؟ كيف يعمل في هذا الظرف؟
هناك العديد من المتطوعين الذين ينفذون مهمات منوطة بالممرضات والمساعدين الطبيين. أما الممرضات والممرضين فيقومون بمهمات طبية مكان الأطباء، لكن هناك نقص كبير في العتاد الطبي.
هناك العديد من الجراحين والأطباء الذين كانوا يعملون في مستشفى “الشفاء” و “الإندونيسي” و”النصر”. لكن جاءوا لتقديم يد العون في المستشفى الأوروبي لأنه الوحيد والأخير الذي لا يزال في الخدمة ويستقبل المصابين والمرضى. ومن حيث الأطباء والممرضين أو ما يسمى بالموارد البشرية والطبية، لا يعاني المستشفى من أي نقص.
اقرأ أيضاماذا يحدث في خان يونس جنوب غزة؟
بل بالعكس الأطباء يأتون إلى المستشفى حتى في أيام عطلتهم لقضاء بعض الوقت مع زملائهم ومن أجل الاستفادة بشكل مجاني من وجبة غذائية والتي تتكون غالبا من طبق من الرز أو الحمص.
هناك عدد كبير من الأطباء الذين يعيشون أوضاعا صعبة وفي حزن بالغ لأنهم فقدوا هم أيضا أفرادا من عائلاتهم. شخصيا، لم ألتق بأي زميل لم يكن في حالة حداد. لذا مجيئهم كل يوم إلى المستشفى يساعدهم على نسيان محنتهم وحزنهم.
هل يتوفر المستشفى على الإمكانيات الطبية والمادية اللازمة لمعالجة المصابين والمتضررين من القصف؟
بكل صراحة: لا. من المستحيل العمل في مثل بيئة المستشفى الأوروبي. لم نتمكن من العمل. كنا نعاني من نقص في جميع المستلزمات الطبية. لا توجد شراشف السرير ولا الضمادات الطبية ولا مناديل معقمة…
فمثلا، في فرنسا في إطار عملي، يمكنني أن أستخدم أربع ضمادات طبية أو أكثر لتطهير وتنظيف جرح واحد. لكن في المستشفى الأوروبي، كنت أستخدم ضمادة طبية واحدة طيلة العملية الطبية. كما كنا نعاني أيضا من نقص في مادة “المورفين” التي تقلل من الوجع. فعلي دائما أن أختار لمن أقدم هذا الدواء.
على سبيل المثال، وصل إلى المستشفى طفل أصيب بالرصاص في رجله من أجل إجراء عملية جراحية، فلم أستطع أن أقدم له دواء المورفين للتخفيف من وجعه لأنني كنت أخشى أن أستخدمها (مادة المورفين) أثناء العملية الجراحية.
اقرأ أيضافي مستشفى خان يونس.. جرحى يعالجون على الأرض وطاقم طبي أرهقه التعب
كنا نحاول أن نقتصد كل المعدات الطبية والأدوية لكن للأسف الجرحى كانوا يصلون تباعا إلى المستشفى. ما جعلنا نختار معالجة الحالات الخطيرة جدا. وهذا أمر كان من الصعب تقبله. كان يتوجب علينا أن نتحصن من الداخل (تقصد من داخل القلب) بسبب كل المآسي والآلام التي كنا نراها.
ماذا يعني أن تتحصنوا من الداخل؟
عندما قبلت الذهاب إلى غزة، كنت مهيأة لمشاهدة الرعب والفظائع. عدة أطفال توفوا بين يدي. المصاب الأخير الذي حاولت مساعدته كان رضيعا لم يتجاوز عمره 48 ساعة.
وتوفي بسبب انخفاض حرارة جسمه. العديد من المصابين قدموا إلى المستشفى دون ذراعهم أو فقدوا نصف وجههم. هناك أيضا ما يسمى بالضحايا الجانبيين، أي الذين يعانون من أمراض مزمنة دون أن نستطيع أن نقدم لهم الأدوية الضرورية لإسعافهم.
على سبيل المثال، توفيت امرأة حامل رفقة طفلها في قاعة العمليات لأنها لم تتناول الدواء الضروري لمعالجة مرض السكرى. لقد استخرجنا الجنين من بطنها وهو ميت. أما الأم فلقد فارقت الحياة هي الأخرى في اليوم التالي لأننا لم نكن نملك الإمكانيات الطبية اللازمة لكي نراقب تطور وضعها الصحي على مدار الساعة بل كل ست ساعات.
اقرأ أيضاالصحة العالمية: الوضع في غزة يقترب من أن يكون ” الأحلك في تاريخ ” البشرية
إذن يمكن القول إن هناك ضحايا مباشرة من القصف الإسرائيلي وأخرى غير مباشرة، أي ناتجة من نقص في الإمكانيات والمعدات الطبية الحيوية. هذه الضحايا بالذات (ضحايا مرض السكري، ضحايا الأمراض المزمنة، المرضى الذين لا يستفيدون من علاجات كيماوية …) لا يتم إحصاؤها كقتلى هذه الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس.
أسبوعان في غزة… كيف استطعت تحمل مثل هذه الظروف الصعبة؟
لقد عدت (الثلاثاء 7 فبراير/شباط) من غزة ولا زلت مصدومة بسبب كل الأشياء التي رأيتها وعشتها. أعتقد أن العامل الذي جعلني أتحمل كل هذه المآسي والآلام هي الكرامة التي أظهرها الفلسطينيون. كنت أشعر بأنني لم أقدم لهم كثيرا وأن كل ما قمت به لا يمثل إلا قطرة ماء في مياه المحيط. لكن الأطباء والممرضين كانوا يقولون لي لا بالعكس إيمان لقد كنت بمثابة الأوكسيجين بالنسبة لنا. كانوا يفتقدون إلى كل شيء. حتى إلى الأقلام من أجل الكتابة.
عندما قلت لهم سأغادر قريبا، طلبوا مني أن أترك إن أمكن قارورة الشامبو أو مزيل الروائح. كنت أشعر بانكسار عميق في قلبي لأنه حتى المواد الأولية والأساسية لم تكن في متناولهم. بالإضافة إلى ذلك كل الأطقم الطبية كانت تعمل دون راتب. ولهذا السبب بالذات كانوا يأتون إلى المستشفى لتناول وجبة غذاء وعشاء مجانا.
طاهر هاني مع فرانس24
Source link