«الخطط الست والثلاثون»… تراث الصين بين الحرب والفلسفة

عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، صدر كتاب «الخطط الست والثلاثون – الحيل السرية للحرب»، الذي ينتمي إلى التراث الصيني القديم، ويتضمن مجموعة من النصائح التي صاغها عدد من القادة العسكريين، لكن المدهش أنها تصلح أيضاً رؤى فلسفية عميقة تساعد الإنسان المعاصر في حياته اليومية، لا سيما إدارة علاقاته الاجتماعية ومسيرته المهنية.
الكتاب ترجمه عن الصينية مباشرة د. أحمد السعيد، الذي يشير في مقدمة الكتاب، إلى أنه خلال ترجمة هذا العمل كان مدفوعاً لاستكشاف أعماق الحكمة الصينية القديمة، والتي لطالما تميزت بمزيج مدهش من البراعة العسكرية والفكر الاستراتيجي والحفاظ على الهوية.
ويوضح السعيد أن هذا النص، الذي يقدمه للقارئ العربي مترجماً للمرة الأولى عن الصينية مباشرة، ليس مجرد كتاب يشرح تكتيكات الحرب، بل هو انعكاس لفلسفة أمة امتدت جذورها آلاف السنين لتصنع من الفوضى نظاماً ومن الأزمات فرصاً. يتضمن الكتاب دراسة معمقة لطبيعة الصراع الإنساني بكل أشكاله؛ الحرب، والسياسة، والاقتصاد، وحتى الحياة اليومية من خلال دروس لا تُحصى عن العقل والدهاء، والقدرة على تحويل مجرى الأحداث بذكاء وحنكة.
وعندما يفكر القارئ للوهلة الأولى في الخطط العسكرية، قد يتبادر إلى ذهنه مشهد المعارك الضارية وصليل السيوف وأصوات الطبول وهي تقرع على أبواب التاريخ، لكن الحقيقة أن الكتاب يطرح مفهوماً فلسفياً أوسع بكثير عن كيفية التعامل مع المواقف الصعبة والمعقدة بذكاء ومرونة من خلال استراتيجيات تعدّ أساليب حياة.
يقال في التراث الصيني: «من بين ست وثلاثين خطة، الانسحاب هو الأفضل»، وهذه العبارة ليست سخرية؛ بل تلخيص ذكي لفكرة جوهرية، وهي أنه أحياناً ما يكون الانسحاب الحكيم أكثر شجاعة وفاعلية من التقدم الأعمى. لا يعني هذا الجبن أو التخاذل، بل هو إدراك واقعي لطبيعة الصراع. تكمن الحكمة هنا في اختيار اللحظة المناسبة للقتال، أو التراجع، وعدم الانسياق وراء الأهواء، أو الكبرياء.
وما يجعل من الكتاب دليلاً مفيداً للإنسان المعاصر أنه يمكن تطبيق كثير من تلك الخطط لحل المشكلات وإدارة الأزمات واتخاذ القرارات الصعبة، ففي السياسة والاقتصاد، وحتى في العلاقات الإنسانية، نجد أن هذه الخطط تقدم حلولاً غير تقليدية تتطلب قدراً عالياً من الحكمة والمرونة.
واللافت أن كتاب «الخطط الست والثلاثون» ليس مقسماً إلى فصول أو أجزاء، بل يتكون من 6 مجموعات، أو سداسيات، يتضمن كل منها ست خطط ليصل المجموع إلى ست وثلاثين خطة. تركز السداسيات الثلاث الأولى؛ وهي خطط «النصر»، و«المواجهة»، و«الهجوم»، على التكتيكات والحيل المناسبة للحالات الخاصة بوضع الغلبة. أما «السداسيات» الثلاث الأخيرة؛ وهي خطط «الفوضى»، و«المناورة»، و«الهزيمة»، فتعالج المواقف الخاصة بحالات الضعف أو التأخر.
ومن أبرز تلك الخطط أو الاستراتيجيات: «اصنع ضجيجاً في الشرق، واضرب في الغرب»، و«استرح والعدو منهك»، و«ضلّل السماء وأنت تعبر البحر»، و«أمسك القائد لتسيطر على الجموع»، و«ضحِّ بالفضة لتنال الذهب»، و«أوهم العدو بإطلاق سراحه»، و«حوّل الضيف إلى مضيف»، و«انتقد الثمار لتلعن الجراد».
