ثقافة وفن

جاسم الزبيدي الفوتوغرافي الذي أرخت عدسته الحركات الثورية في العالم العربي

علاء المفرجي

في بداية السبعينيات، كنا صغارا، لكننا نتلقف أخبار الثورات من ابينا أو اخوتنا الكبار، وبالطبع فلسطين كانت الدرس الأول الذي تعلمناه منهم، كنا نردد الأغاني الفلسطينية الثورية خاص بعد أحداث أيلول، التي تتحدث عن الرشاش الذي (يسابكني)، أو من فم فيروز عندما يردد “أصبح عندي الان بندقية.. أصبحت في قائمة الثوار).. ودروس أخرى هضمناها عن أسمرة ووحشية الامبراطور.. لكن درس ظفار تعلمناه من صور جاسم الزبيدي، نعم من صور، ولكن أي صور، تلك التي أخذت بتلابيب أفكارنا الغضة ونحن نقرأ بها نضال هذا الشعب ضد ظلم الحكام.
كانت هذه الصور لجاسم الزبيدي ذلك الملتحي ذو الجسم الممتلء، الذي يأتي الى بيتنا أحيانا بصحبة أخي الكبيرالذي تربطه وإياه علاقة صداقة، إذن كانت ظفار والصور هي التي دخلت بيتنا يوما.
وعندما أدركنا بعض الكبر بدانا نتعرف على ذلك الرجل الملتحي جاسم الزبيدي.

من هم جاسم الزبيدي
في الوقت الذي ينشغل فيه المصورون العراقيون في توثيق عالمهم، طبقاً لما يراه كل واحد منهم أو يحب أن يراه، فيبتدعون أسلوبهم الذي سيعرّفون به بين أجيالهم: لطيف العامي، فؤاد شاكر، أرشاك، حازم باك، وآخرون… يبرز اسم جاسم الزبيدي الذي سيمنح الفوتوغراف هويته الخاصة بأسلوبه الخاص.
الزبيدي هذا الـ(ستيني) بامتياز ليس فيما أبدع من منجز فوتوغرافي، بل بالانتماء إلى مجموعة تميزت بليبراليتها ورومانسيتها في الوقت نفسه، وقد وجدت تعبيرات حية في الموسيقى والفنون البصرية، وهي مجموعة ضمت رموزاً من فترة الستينات، خصوصاً الفنانين التشكيليين منهم. وهو ما دفعه تماشياً مع ظاهرة الستينيين أن يؤسس مجموعة فنية أطلق عليها (مجموعة تموز للفن الحديث)، التي زرع فيها نواة تنظيم الفوتوغرافيين كجزء من الحركة التشكيلية العراقية، ناقلاً بذلك فن الفوتوغراف من مهنة حرفية بحتة إلى مفهوم إبداعي فني يحمل أفكاراً ورسالة تثقيفية بصرية مباشرة.
وبذلك، انفرد الزبيدي عن جيله، والجيل الذي سبقه من الفوتوغرافيين، بميزة أنه منح الكاميرا وظيفة أخرى، وظيفة لا تجعل منها أسيرة الاستوديوهات الرطبة، بل تطلقها لتجعل منها أداة باحثة عن الحقيقة، وظيفة تجمع بين العناصر الجمالية التي تميز الصورة الفوتوغرافية، والوثيقة البصرية المتجلية عنها. ليس هذا حسب، فإن دخوله مجال التصوير الصحافي، جعله يلتقط صوراً اتسمت بتعبيريتها العالية، التي شدت له الانتباه، لحظة بداية عمله.
حياة البؤس التي عاشها جعلته يتعرف جيداً على البيئة الاجتماعية للمدينة، وعلى مئات الأزقة، ووجوه الأطفال وألعابهم، ومهن آبائهم البسيطة. لقد هضم حسه البصري آلاف الصور، وأدرك مبكراً أن هذه الصور ستغني عن آلاف من الكلمات.
وعلى الرغم من شغفه بالتصوير مبكراً، فإن حادثة العثور على كاميرا من نوع (لايك) في أحد الشوارع، شكلت منعطفاً في حياته، لكن العمل في الصحافة، هو الذي صقل موهبته، وكان عليه أمام وجود عدد من المصورين المعروفين من جيله في تلك الفترة، أن يبحث عن أسلوب يتفرد به. وكانت مشاركته في تغطية الحرب التي نشبت عام 1967 ليوثق جزءاً من أحداثها… وهو الأمر الذي جعله يكرس حضوره كمصور صحافي، ليؤسس قسم التصوير في مجلة “ألف باء”، لينتقل بعدها إلى جريدة “الجمهورية”.
يكتب الفوتوغرافي هيثم فتح الله عزيزة في كتابه “جاسم الزبيدي… الثائر بعدسته” الصادر عن دار الأديب في عمان: “لاحت للزبيدي فرصة ذهبية ليكون مصوراً خاصاً لرئاسة الجمهورية خلال فترة حكم الرئيس أحمد حسن البكر عندما رشحته الجريدة لذلك، غير أن تصوير المناسبات الرسمية التي تخلو من اللمحات الفنية والتعبيرية، وتقتصر على الصور التذكارية والبروتوكولية من مصافحات ولقاءات واجتماعات، لم ترق للزبيدي كونها مستبعدة عن فنه المعبر، فافتعل طريقة للتخلص من هذا المأزق عندما اعتلى كرسياً ليصور الرئيس العراقي وهو يستقبل ضيفه رئيس وزراء الهند، متجاوزاً الأعراف والأصول البروتوكولية الرسمية فتم الاستغناء عنه لاحقاً، وإعادته إلى جريدته”.
لعل من الأمور التي صاغت شخصية الزبيدي، وعيه الطبقي المتزايد كإنسان يسعى إلى التغيير، متأثراً بأخيه الأكبر صاحب الفكر اليساري؛ لذلك كانت كل مشاريعه الفوتوغرافية تصب في هذا النهج، فأطلق لحيته، مثل جيفارا، ولبس الكاكي واقتنى سيارة جيب ليبدو متماهياً مع نماذج المناضلين والثوار آنذاك. بيد أن الزبيدي لم يقتصر على التماهي الشكلي، بل ارتبط فعلاً بالقضايا الثورية عن إيمان، وهذا ما أكدته مشاركته الفعلية في حركة المقاومة الفلسطينية، وفي إريتريا أيضاً، بالإضافة إلى تغطيته الكثير من الفعاليات الإعلامية والفوتوغرافية، حاملاً كاميراه التي هي سلاحه الوحيد والفعال. وبسبب مواقفه التضامنية معها، أطلقت “جبهة التحرير الإريترية” اسمه على أحد شوارع العاصمة أسمرة بعد التحرير ونيل الاستقلال.
جاب بكاميرته عدة نقاط صراع في العالم متضامناً مع ثوارها يخوض بها أتون الحروب، يستكشف واياها الحياة هناك. كاميرتها التي فهمت هدفها التي صنعت له وحددت وجهتها عندما تلين بيده وتتحد بقلبه وبصره وبصيرته، تبحث عما لايعرضه الإعلام أو يخفيه قصداً، صور لمعاناة أطفال خائفين يهرعون بحثاً عن ملجأ ما يقيهم فتك رصاصة أو قذيفة، أمهات تسمرت عيونهن على الطريق تنتظر عودة الغائب، صور تتكلم عن شعوب وعما خسروه وربحوه في معارك الحرية، فهو يؤمن أن الصورة تعبر أفضل من ألف كلمة، وحين تكون الكاميرا عين الواقع وبصيرة الحق والحقيقة، حتماً ستؤطر مشاهد عن وجع الإنسان وتحرك الضمير في عالم بات يفقد الكثير من إنسانيته، كان سلاحه آلة التصوير، وعلى مدى 25 عاماً كانت ترصد وتشهد نضال الشعوب من أجل الحرية، لقطاته ليست مجرد لوحة فنية، بل هي حكايا إنسانية تتكلم بصدق دون قيد، وعلامة فارقة عميقة مسجلة في تاريخ الفوتوغراف، وأرشيف للأجيال المقبلة.
سيرة حياته
ولد جاسم محمد مطر الزبيدي في عائلة فقيرة، واضطر معها، في صغره وشبابه، إلى الكفاح المرير لتأمين متطلبات العيش.
ولد في بغداد عام ١٩٤٠، من أبوين كادحين نزحا من مدينة العمارة جنوب العراق مع جموع النازحين بسبب الفقر والهرب من الظلم الإقطاعي، ليشكلوا خط الفقر الظاهر الذي أحاط في مدينة بغداد منذ نهاية الأربعينيات من القرن الماضي.
بدأت رحلة جاسم مع شظف العيش والبحث عن العمل في سن مبكرة، فهو جزء من عائلة كبيرة شملت أخوة وأقارب، وكل فرد فيها كان ينتزع لقمة العيش عن طريق الكد المضني.
عمل جاسم بمهن شعبية مختلفة، منها صناعة “البادم” مع أحد أقربائه، وهو عمل بدائي منزلي يعتمد صناعة الحلويات الشعبية من السكر والطحين. بعدها أخذ يبيع ما ينتجه من تلك الحلوى في منطقة قنبر علي ليسد بعض احتياجاته.
وعى جاسم قيمته كإنسان يسعى للتغيير، متأثراً بالوعي الطبقي لأخيه الأكبر سعيد الزبيدي صاحب الفكر اليساري – الشيوعي على وجه التحديد. كان هذا الوعي إيذاناً بتحولاته واختياراته في المستقبل من أجل حياة حرة كريمة، وعزّزت من رغبته في التعبير عن حياته العاطفية وتضامنه الطبيعي مع المواطنين الفقراء.
والحال إن حياة البؤس التي عاشها جعلته يتعرف جيداً على البيئة الاجتماعية للمدينة، ولمئات الأزقة، ووجوه الأطفال وألعابهم، ومهن آبائهم البسيطة. لقد هضم حسّه البصري آلاف الصور المودعة في ذاكرته، وأدرك مبكراً أن هذه الصور تغني عن آلاف الكلمات والجمل والأوصاف التي تقترحها كتابات متعاطفة.
كانت صور الأطفال المشردين والجائعين التي تنشر في الصحف والمجلات تثير اهتمامه وتجعله يفكر بمصيرهم. هذه الصور فتحت عيني جاسم على فن الفوتوغراف، وأدرك قوة الصورة ومحمولاتها من أفكار وقيم ونداءات. إنها ترسل رسائل أقوى بكثير من الكلمات. والحال كان لأخيه الأكبر سعيد فضلاً في دفعه إلى عالم التصوير الفوتوغرافي.
بيد أن الإنعطافة الكبيرة في حياته، حدثت عندما كان يتجول في احد الشوارع قرب السفارة الإيرانية ببغداد وعثر على كاميرا حديثة من نوع لايكا جعلته يتعمق بفن الفوتوغراف*، خصوصاً وهي من أعرق وأحسن كاميرات التصوير في العالم. لم يكن يعلم في حينها كيفية استخدام تقنية هذه الكاميرا، فاستعان بالمصور الجوّال باقر كردي الذي علمه كيفية استغلال تقنية هذه الكاميرا والتقاط الصور بها، ما حدا به أن يفتح استوديو جديد في منطقة الباب الشرقي الحيويّة الضاجّة بالحركة، ب اسم (دار ميسلون) منطلقا منه إلى حياة فوتوغرافية جديدة، جعلته يتميز بإنتاجه الفوتوغرافي، من خلال عرضه للصور ذات المسحة الفنية التي تعتمد على توزيعات الظل والضوء، وعرضها في واجهة محله لكسب أكبر عدد من الزبائن.
في شبابه تمتع بحيوية ونشاط كبيرين حيث كان يتنقل بين المدن والمحافظات لتسجيل واقع حياة الفقراء والمعدومين، كما أنه التقى بمشاهدات طفولته وأقرانه وأصدقائه، فبدأ يبحث عن الصور التعبيرية للأطفال وحكاياتهم ولعبهم ووجوههم المعبرة. وبقيت هذه السمة ملاصقة له طيلة حياته.
في بعقوبة تعرّف على الكاتب الصحفي عبد الرضا فليح نجم الذي كان يعمل محرراً في صحيفة الموقف، فحدثت انعطافة كبيرة في حياة جاسم الزبيدي بدخوله عالم الصحافة، وقيامه بنشر صور تعبيرية شدّت كل من شاهدها.
كانت تلك بداية رحلة جديدة في حياة جاسم المهنية، عاد بعد ثلاث سنوات منها إلى بغداد، وافتتح استوديو آخر للتصوير أطلق عليه اسم (دار الحياة) في مدخل شارع الرشيد قرب الباب الشرقي. بهذا التطور أعلن عن ولادة حياة جديدة لواقع الفوتوغراف العراقي مدعوم بتجارب جديدة وأفكار شخصية واختيارات لمواضيع فوتوغرافية تحمل التعابير الشخصية لوجوه الناس ووضعياتهم الاجتماعية والأمكنة المليئة بالعلامات والتعابير الجميلة.
حاول جاسم أن يجسد أفكاره اليسارية الموروثة عن اخيه سعيد ويبرزها في مواضيع مصورة كطريقة للتعبير عن المشاعر الوطنية والثورية وإبراز معاناة الناس المريرة في حياة منهكة ومتعبة، فضلا عن تطلعهم إلى حرية التعبير والعيش بكرامة وعزة نفس.
في أحد الأيام وقف جاسم الزبيدي أمام نصب الحرية في الباب الشرقي لنهار كامل موجهاً عدسته إلى شخصية العامل الواقف في النصب منتظراً أن تقف حمامة بيضاء على كتف العامل حامل المعول، ليسجّل لقطة تعبيرية تربط الواقع مع الخيال بإبراز مفهوم السلام المرتبط بالعمل، محاكياً بشكل غير مباشر أفكاره اليسارية مستعيضاً عن “المنجل والمطرقة” الشعار الشيوعي المعروف بالحمامة والمطرقة كتعبير رمزي صامت له دلالة ووقع أشدّ من أي هتاف. فالصورة تعادل ألف كلمة!
على الرغم من قسوة الحياة، امتلك جاسم القدرة على مقاومة الصعوبات بالمرح والتهكم وتوسيع صداقاته، ولقد وظّف نجاحاته لتنظيم الجماعة الفوتوغرافية والتقرب بها من الفنانين التشكيليين. ففي عام ١٩٦٤ أسّس مع مجموعة فنية أطلق عليها اسم (مجموعة تموز للفن الحديث) متكونة منه ومن “حامد الصفار، خضير الشكرجي، فريال اسحق، حسن فليح، جودت حسيب”. لقد زرع في تلك الجماعة الفنية نواة تنظيم الفوتوغرافيين كجزء من الحركة التشكيلية العراقية، ناقلاً بذلك فن الفوتوغراف من مهنة حرفية بحتة إلى مفهوم إبداعي فني يحمل أفكاراً ورسالة تثقيفية بصرية مباشرة لكافة أطياف المجتمع العراقي.
ارتبط جاسم بالعمل الصحفي في منتصف ستينات القرن العشرين، عندما عمل في جريدة الثورة العائدة إلى المؤسسة العامة للصحافة والطباعة، كمصور صحفي، فشارك بتغطية المعارك خلال حرب حزيران عام ١٩٦٧ ووثق جزءاً من مآثر الجيش العراقي والمقاومة الفلسطينية في تصديهما لعدوان الجيش الإسرائيلي. وفي الجريدة نفسها نشر عشرات الصور التي تمثل البيئة المعمارية المحلية.
انتقل بعد ذلك ليؤسس قسم التصوير في مجلة ألف باء التي صدر عددها الأول في الثاني والعشرين من شهر أيار ١٩٦٨، وانتقل بعدها إلى دار الجماهير للصحافة بحكم التقسيم الإداري لمنظومة الصحافة التي كانت تدار من قبل مؤسسات
الدولة الرسمية آنذاك.
لاحت للزبيدي فرصة ذهبية ليكون المصور الأول لرئاسة الجمهورية خلال فترة حكم الرئيس الراحل أحمد حسن البكر عندما رشّحته دار الجماهير للصحافة ليكون المصور الخاص لرئيس الجمهورية**. غير أن تصوير المناسبات الرسمية التي تخلو من اللمحات الفنية والتعبيرية وتقتصر على الصور التذكارية والبروتوكولية من مصافحات ولقاءات واجتماعات، لم ترق للزبيدي كونها ستبعده عن فنه المعبر. فافتعل طريقة للتخلص من هذا المأزق عندما اعتلى كرسياً ليصور الرئيس العراقي وهو يستقبل ضيفه رئيس وزراء الهند، متجاوزاً الأعراف والأصول البروتوكولية الرسمية، فتم الاستغناء عنه لاحقاً وإعادته إلى دار الجماهير للصحافة ليمارس فنه الفوتوغرافي كما يحلو له! ‘
عمل جاسم الزبيدي بالصحافة السياسية اليومية واحتك بشيوخ الصحافة آنذاك من أمثال ضياء عبد الرزاق حسن، إبراهيم إسماعيل، سهيل سامي نادر، مؤيد الراوي، رياض قاسم، زهير الدجيلي. مما فتح له آفاق التميز والتعمق بأفكاره الفوتوغرافية. والحال كان لا يجد فرصة للتميز والمغامرة إلا وكان السبّاق في اقتناصها، مشتبكاً دائماً بقضايا موضوعية، وبوجه خاص قضايا مرتبطة بحركة التحرر العربي والكفاح المسلح، مستجيبا إلى تضامنه الثابت مع القضايا العادلة.
قرّر تحقيق مبتغاه للذهاب إلى إرتيريا ملتحقاً بفصائل جبهة التحرير الإريترية عام ١٩٧٠ ومتعاوناً معها ليوثق حياة الثوار هناك لصالح صحيفة الجمهورية الصادرة عن دار الجماهير للصحافة في العراق.
كانت التجربة الإريترية في حياة جاسم فريدة ومميزة وثّق فيها حياة شعب يناضل من أجل التحرر، وخرج منها بمئات الوثائق للمقاتلين في خيمهم وملاذاتهم وتدريباتهم وصراعهم الدموي ضد القوات الأثيوبية المحتلة. عند عودته إلى العراق نشر صوره فأحدثت صدمة مثيرة في الرأي العام، وتفاعلت معها جميع وسائل الإعلام كونها كشفت عن أسرار ووقائع وحقائق غائبة عن أذهان المجتمع العراقي والعربي.
التجربة الثالثة كانت في اليمن الجنوبي عام ١٩٧٤ التي خرج منها بحصيلة صور معبرة عن واقع المجتمع هناك، فإذا به يشارك عام ١٩٧٦ مقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في توثيق جريمة تل الزعتر في لبنان، وتوثيق عملية العقارب ضد العدو الصهيوني كذلك.
المعارض
أقام الزبيدي عدة معارض، ففي العام 1979 كان معرض (وثيقة الصداقة) عن الشعب العراقي وشعب جمهورية ألمانيا الديمقراطية، وفي العام 1974 معرض (وثيقة من تل الزعتر)، ومعرض (عُمان والإنسان والثورة) عن الشعب العُماني في العام 1976 وثورة جبهة ظفار، كما أقام معرض (أطفال بلا طفولة) في العام 1980. حاز جائزة أفضل صورة عن الحرب من قبل اتحاد الصحفيين العالميين عام 1990. وأقام في العام 1991 معرض ملصقات لكل المعارض التي أقامها لمدة 25 عاماً دفاعاً عن العراق وفلسطين.
وفي العام 1991 أصدر ملصقاً وصوراً عن الحياة خلال الحرب الأميركية على العراق نشر في جريدة الجمهورية، كما عمل مع مكتب اليونيسيف والبيئة في الأردن، وكان له مشروع فوتوغرافي كبير عن أطفال الوطن العربي.. لكن الموت حال دون تحقيق ذلك.
العدسة الثائرة
انتقلت عدسة جاسم الزبيدي من الاستوديوهات الضيقة وممرات ابنية المؤسسات الصحفية لتشارك الثوار في كل مكان احلامهم.. بداية الخمسينات من القرن العشرين برزت حركات تحرر وثورات في العديد من بلدان العالم خصوصاً في المشرق العربي، وفي أميركا اللاتينية وأفريقيا. كان المد الاشتراكي سمة مميزة تجمع العديد من هذه الحركات الثورية المسلحة، فبرزت أسماء شخصيات ثورية عالمية كفيدل كاسترو وارنستو تشي جيفارا وباتريس لومومبا وغيرهم. لقد باتت هذه الشخصيات أيقونات للشباب العربي، فبدأت صورهم وأفكارهم الثورية تنتشر داخل الطبقات الشعبية، وأخذ جيل من الشباب يقلدونها باللباس وتسريحة الشعر واللحى. بعد اغتياله عام ١٩٦٧ أصبح جيفارا رمزاً في كل مكان، وإشارة عالمية ضمن ثقافة ثورية
شعبية أثّرت على أفكار الشباب العربي. ومن اللذين اتخذوا جيفارا رمزاً لهم، الفوتوغرافي الثائر جاسم الزبيدي، إذ أطلق لحيته، ولبس الكاكي، واقتنى سيارة جيب بلون كاكي!. لقد بدا حقاً متماهياً مع نماذج المناضلين والثوار الساعين إلى التحرر من ظلم الأنظمة التعسفية. بيد إن هذا التماهي في العلامات الشخصية هو مجرد تأكيد مظهري، في حين أنه في العمق ارتبط فعلاً بالقضايا الثورية عن إيمان، فهذا ما تخبرنا به مشاركاته في الحركات الثورية، والعيش مع الثوار الفلسطينيين والظفاريين والارتيريين، وتغطيته للعديد من الفعاليات الإعلامية في قضايا التحرر. إن صورته الشخصية ونشاطه المقترنين معا، جعلاه محطّ اهتمام أصدقائه الثوريين، فكان المدعو دائماً للمشاركة في أنشطتهم، وكان لا يتأخر عن حمل كاميرته بوصفها سلاحه الوحيد والفعّال. وقد نشر بهذا الحامل صور الظلم والماسي التي يعيشه أخيه الإنسان العربي في أرضة ووطنه. وبسبب من مواقفه التضامنية أطلقت جبهة التحرير الإرتيرية اسمه على أحد شوارع العاصمة أسمرة بعد التحرير ونيل الاستقلال.
ولم يكتفِ الزبيدي بصياغة مواقف واضحة في فنه تأييداً للحقوق العادلة، بل شمل الأطفال القريبين إلى قلبه دائما باهتمامه. كانت كاميراته تتجه غريزياً إلى وجه طفل جائع، أو يتيم، أو غاضب، متذكراً طفولته، فضلاً عن أنه اهتم بواقع حياة الأطفال اللذين يعانون من الفقر والمرض والأمية، ودافَعَ عن حصولهم على حياة آمنة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى